الجريمة العثمانية. تاريخ في الظل. أيام من دم. رمز الخلفاء. دم المماليك
أساطير مقدسة. تاريخ شكل تاني. أرباب الشر
 
بدأ الحاكم بأمر الله حكمه بقتل كل من "بيرجوان" الخادم- مربيه ومعلمه- ثم ابن عمار شيخ قبيلة كتامة المغربية- حامي الدولة وسيفها البتار- بحجة أنهما يتسلطان عليه، إذ كان بعد شابا مراهقا لم يبلغ العشرين، ومنذ ذلك اليوم صار الداخل في خدمته مفقودا والخارج منها دون قتله أو قطع بعض أعضاء جسده مولودا. كان يعين الوزير والقائد والكاتب وعامل الخراج فيعظمه ويغرقه بإنعاماته، ثم سرعان ما يأمر بقتله أو قطع يديه أو لسانه، ومصادرة أملاكه وأمواله ثم حرق جسده وذره بالرياح. أحصى البعض من قتل من رجال السيف والقلم، فقال إنه قد أطعم الموت ثمانية عشر ألفا من الأتباع المخلصين، حتى فرغت الدولة من رجالاتها ومادة قيامها. كان يقتل لأتفه الأسباب، حتى إنه في مرة قتل بعض قادته- وكان هذا القائد قد فاجأه وهو يقطع جسد طفل من فتيانه، الذين شاع أنه يتلذذ بشق بطونهم وذبحهم، فعد الحاكم مباغتة هذا القائد إياه وهو في هذا الموقف أمرا مخالفا لقواعد الأدب والاحترام!
ضيق على العامة معيشهم بقوانينه الشاذة المستترة بالتقوى والتشدد في أمر الدين، بحجة تحريم الخمر أفسد كرمات العنب، وسكب أطنانا من العسل في النيل وأحرق جبالا من الزبيب. بحجة منع الميسر جمع ألواح الشطرنج وأحرقها في طقس مهيب. بالغ، فمنع صيد السمك الذي بغير قشر، وذبح الماشية الخالية من العيوب إلا في الأضحى. حرم الملوخية لأن معاوية بن أبي سفيان كان يحبها، والجرجير لأن عائشة بنت أبي بكر كانت تأكله. وعاقب من خالفوا أوامره تلك بالضرب والتشهير بل والقتل. تخيل أن يؤمر بإعدام رجل لأنه باع سمكه بغير قشر أو ضبط يلعب شطرنج.
جرح مشاعر المصريين الدينية بكتابته سبابا للصحابة بماء الذهب على أبواب وجدران المساجد، ثم أمر بمحو الكتابة حين استشعر ثورة في الأفق. حاول التقرب منهم فافتتح مدرسة للمذهب المالكي، ورتب الرواتب لفقهائها، ثم سرعان ما مال هؤلاء الفقاء بسيفه يرديهم.
لم تسلم منه النساء- وهن بالذات لاقين منه أشد التضييق- فأمر بمنعهن من الخروج إلى الشوارع والإطلال من الشبابيك والوقوف على الأسطح، منع الإسكافيين من صناعة أحذيتهن، ولما مر يوما بحمام فسمع أصوات بعض النسوة بداخله، أمر بإغلاقه عليهن ليصبح قبرا لهن.
أيام من دم.. من كربلاء إلى مذبحة القلعة